التعّلّم عن بعد أو بعدٌ عن التعلّم؟
لطالما كان العلم منارةً الشعوب ومصدر نِعَمةٍ لا نقمةٍ والرفيق الأول والدائم للإنسان منذ ولادته حتى كبر سنه، إلى أن اجتاحت جائحة “كورونا” العالم بأثره فارضةً نظام التعلّم عن بعد ما دفع بالقطاع التربوي عالمياً الى استيعاب هذا النظام التعليمي الجديد وفق مقولة “مجبر أخاك لا بطل”.
ككل نظام حديث أو مستحدث لديه إيجابياته وسلبياته، فماذا بالنسبة إلى نظام التعلّم عن بعد؟
ما هو التعلّم عن بعد؟
من البديهي التذكير بالمفهوم العام للتعلّم عن بعد، أي عندما يتمّ التعلّم في ظروفٍ يكون حينها التلميذ أو الطالب بعيدًا عن المعلّم أو المحاضر وعن مكان التعلّم (مدرسة أو معهد أو جامعة) فيلجأ المعنيون إلى منصات وتطبيقات إلكترونية كـ ( Teams, Blackboard, Zoom, Google Classroom) أو إلى البث التلفزيوني وإلاذاعي.
إيجابيات وسلبيات التعلم عن بعد
بالرغم من توّفر هذه الوسائل (ولو بنسب متفاوتة) لدى كافة المعنيين، أحاطت هذا النظام المبتكر بعض الإيجابيات والسلبيات، من الإيجابيات الأساسية نسلّط الضوء على إبقاء سير العملية التعليمية وإدارتها ولو حتى عن بعد. (“علمٌ مع مواجهة وتخطي صعوبات أفضل من غياب العلم بشكل كامل”).
أمّا السلبيات، فبرزت من خلال التحديات التي واجهها هذا النظام كتأمين البنى التحتية ( شبكات انترنت وأجهزة إلكترونية وتوفر الطاقة الكهربائية)، بالإضافة إلى الوضع النفسي للكادر التعليمي وللطلاب، وصولاً إلى جهوزية المؤسسات التربوية لتأهيل المهارات الالكترونية للمعلمين لإعداد المحتوى وبرمجته.
بادئ ذي بدء، نستهل عرضنا للسيئات بالتحدّي الأبرز الذي تواجهه كل أسرة تقريباً ألا وهو توّفر خدمة الإنترنت وسرعتها وقدرة الشبكة على تحّمل الضغط، بالإضافة لتوفّر الكهرباء.
بحسب تقرير حول “استجابة الدول العربية للإحتياجات التعليمية خلال تفشي جائحة كورونا” نُشرعلى موقع http://unescoregionaltaskforce.net/ “تفاوتت نسبة الرضا حول البنى التحتيّة لجهة سرعة الإنترنت، فأشار %62 من المعلّمين في البلدان ذات التقنيّة المتوسطة إلى أنّ ضعف البنى التحيّة لجهة سرعة الإنترنت شكّل عائقا رئيسيّا تعذّر معه التحاق المتعلّمين بالصفوف الإفتراضيّة، في حين أنّ %47.3 من المعلّمين في البلدان المتقدّمة تقنيّاً قالوا إنّهم يعانون من ضعف الشبكة التي لم تتحمّل الدخول المتزامن بأعداد هائلة من قبل المتعلّمين؛ من جانب آخر، اشتكى %51.4 من المعلّمين في الدول التي تشهد أزمات ونزاعات من عدم وجود شبكات انترنت.”
نسب المشكلات على صعيد البنى التحتيّة:
وللإضاءة على هذه الناحية السلبية، كان لـ “أحوال ميديا” حديث مع السيدة ألين، معلمة رياضيات للصف الثاني أساسي (10ème) حيث أوضحت أنّها لم تكن مستعدة من الناحية اللوجستية (اشتراك إنترنت وتجهيز بطارية شحن “UPS”عند انقطاع الكهرباء) لتأمين إعطاء الدروس عن بعد، ما كلّفها تقريباً راتب شهرين لتجهيز نفسها.
وحول الصعيد النفسي بما يخص جهوزية الكادر التعليمي والمتعلمين (توفّر الأجهزة المطلوبة والإمكانيات المادية) للإنتقال المفاجئ نحو التعليم عن بعد، وفق استبيان مذكور على موقع عينه، تمّ سؤال المتعلمين عن نوعية الأجهزة وعن توافرها لمتابعة دروسهم، وأتت الأجوبة كالتالي:
%61: الحاسوب المحمول Laptop
% 36.3: أجهزة الهاتف المحمول والجهاز اللوحي أو التلفزيون، (12.2 % منهم يتشاركون الاجهزة مع اخوتهم.)
توزّع نسب استخدام الأجهزة:
للوقوف أكثر عند هذه السلبية التي طالت المتعلمين والمعلمين معاً، أكّد لنا فؤاد، طالب سنة ثانية اختصاص صحافة أنّ حاسوبه المحمول كان مشتركاً مع أخوته، وأنّ الجو العائلي العام في المنزل شكّل عائقًا أمام تأقلمه مع التعلّم عن بعد، ما أجبره أن يشتري حاسوباً جديداً وأن ينظّم وقته لتسهيل عملية التعلّم.
السلبية عينها مع “غدي”، تلميذ صف التاسع أساسي(Brevet) الذي لم يكن لديه حاسوب ولا اشتراك إنترنت، فاضطر الى متابعة الدروس عبر محطة تلفزيون لبنان ولو بشكل غير منتظم بسبب إنقطاع التيارالكهربائي المستمر وعدم قدرة عائلته على الاشتراك بخدمة الموّلد، وغدي بالمقابل يشعر بالإمتنان على قرار إلغاء الإمتحانات الرسمية لأنّه لم يستوعب الدروس كما يجب عبر التلفاز.
وتظهر ناحية سلبية أخرى على الصعيد التربوي والفنّي لجهة التأهيل الكافي للمهارات التكنولوجية والتقنيّة للمعلمين. إستناداً الى التقرير نفسه الوارد على موقع http://unescoregionaltaskforce.net/ ” تفاوتت الردود على هذا الجانب بين الوزارات والإدارات من جهة وبين المعلمين أنفسهم من جهة أخرى. فبحسب رأي المشرفين في وزارة التربية، فإنّ %37.5 من المعلمين لم يكونوا جاهزين نفسياً وتقنياً.
ووفقاً لمديري المؤسّسات التعليمية، فإنّ %41.5 من المعلمين لم يكونوا جاهزين على مستوى المهارات الرقمية المطلوبة، ورأى المديرون أنّ %56.1 من المعلمين عانوا من البيئة المنزلية غير الملائمة.
بالنسبة للمعلمين أنفسهم، أفاد %38.7 منهم أنّهم عانوا من مشكلة المهارات التقنيّة والتكنولوجية، فيما رأى %12.7 منهم أنّهم لم يكونوا جاهزين لهذا الانتقال المفاجئ.”
نسب الجهوزية لدى الكادر التعليمي (%)
جهوزية ذاتية على المستوى النفسي | التكنولوجية | جهوزية على مستوى المهارات
|
محتويات رقمية | جهوزية على مستوى صناعة | جهوزية على مستوى البيئة المنزلية | |||||||||||||||
وزارة التربية | 62.5 | 35 | 62.5 | 37.5 | ||||||||||||||||
المديرون | 73.2 | 48.5 | 65 | 43.9 | ||||||||||||||||
المعلمون | 87.3 | 61.3 | 72 | 68 | ||||||||||||||||
استوضح “أحوال ميديا” عن هذه السلبية مع الدكتور سليم، أستاذ جامعي محاضر في مادة الكيمياء، الذي أشار الى أنّ “نظام التعلّم عن بعد هبط كالمظلة عليّ وعلى بعض الزملاء ما أجبرنا على أخذ دورات تدريبية سريعة لتعلّم تقنيات التعلم عن بعد الحديث (برامج متخصصة ومتطورة وكيفية تحميل الدروس).
ثلث الأساتذة يعانون من نقص في المهارات
إذاً نستخلص من أعلاه أنّ غالبية المعلمين يرون أنفسهم جاهزين للتعليم عن بعد، لكن أكثر من ثلثهم كان يعاني من نقص في المهارات التقنية والتكنولوجية، في حين أنّ وزارات التربية والمديرين يرون أنّ المعلمين قد يكونون بحاجة لجهد أكبرعلى صعيد التقنية والمهارات.
وكتقييم عام لتجربة التعليم عن بعد وفق التقرير الوارد في موقع http://unescoregionaltaskforce.net/ ، فقد تفاوتت وجهات نظر الأطراف المعنيّة فمنهم من أيّدها مع تحفّظات، ومنهم من اقترح بعض الحلول التي قد تحسّن من نتائج التعليم، والبعض الاخر ذهب لتأييد الانتقال نحو التعليم عن بعد بشكل كامل كخيار مستقبلي، في حين اقترح البعض الدمج بين التعليم التقليدي المباشر والتعليم عن بعد.
توصيات حول التعلّم عن بعد
إزاء كل هذا، لابدّ من ذكر بعض توصيات برزت كنتائج لاستبيانات مماثلة أجرتها منظمة اليونسكو:
- تعزيز استخدام التكنولوجيا وتقنيات التواصل الاجتماعي في التعليم.
- إنتاج مناهج تعليميّة مختلطة تراعي الاتجاهات التعليميّة الجديدة
- ضمان وصول مصادر التعلّم للجميع.
- إيلاء التعليم المهني والتقني الاهمّية المطلوبة والعمل على تطوير البنى التحتية الخاصّة به.
- بدء التخطيط للمتغيّرات في سوق العمل التي أسهمت جائحة كورونا بتسارعها.
- إعادة التفكير برقمنة بعض المهن الروتينيّة.
- دعم الأسر ذات الدخل المتدنّي بالأجهزة اللازمة.
- إبراز دور المعلّم وتأهيله.
- وضع الخطط التعليميّة بما يتناسب مع جميع الفئات العمريّة.
فادي سلامة